هل جربت يومًا أن تحذف تطبيقًا من هاتفك… ثم وجدته يعود بعد يومين؟
أو أعلنت لنفسك “إجازة من هذا الصخب الرقمي”… ثم وجدت يدك تمتد لتفتح البريد خلسة؟
المشكلة ليست في ضعف إرادتك كما تظن.
المشكلة أعمق: في طريقة عمل عقلك، وفي النظام الذي بُنيت عليه هذه الأدوات والتطبيقات
الدوبامين هرمون أو ناقل عصبي يفرز في أجزاء معينة من الدماغ
وظيفته الأساسية أن يحفزك ويدفعك للبحث عن الجديد، للتعلّم، للانتقال خطوة إلى الأمام.
كان يعتقد قديما أنه ناتج من القيام بالأنشطة السارة ولكن اتضح العكس ولذلك فوظيفته الحقيقية هي تحفيزك لتقوم بالأشياء التي تسعدك
وبرغم هذه المهمة اللطيفة كما ترى إلا أن عدم التحكم فيه أمر خطير!
وإليك المثال التالي لتتضح الصورة لك بشكل كامل
الإنسولين هرمون مهم ينظّم السكر في الدم لكن عند الإفراط في تناول السكريات يزداد افرازه بكميات أكبر
وإذا استمر الحال كذلك فقد يجعل هذا خلايا الجسم لا تستجيب للإنسولين وهو ما يعرف بـ مقاومة الأنسولين
ما ضرر ذلك ؟؟ حسنًا ..
تدريجيا يقودك نحو الإصابة بالسمنة وتراكم الدهون
وقد تؤدي لمرض السكر عافانا الله وإياكم
وكذلك الدوبامين:
هرمون يدفعك للحركة، للتعلّم، للإنجاز… لكن حين تأتي به من مصادر رخيصة وسريعة، يتحول إلى فخ يسرق طاقتك ويضعف تركيزك.
كل إشعار، كل لايك جديد، كل فيديو قصير، كل جولة تسوق … يشبه قطعة حلوى ملونة.
طعمها لذيذ، أثرها سريع، لكنها تترك الجسد والعقل بلا قيمة غذائية حقيقية.
بل تؤثر سلبًا على حياتنا دون أن ندرك.
لصوص التركيز المعاصر
- إشعار واحد يتحول إلى نصف ساعة ضائعة.
- لعبة بسيطة تلتهم ساعات من يومك.
- تسويف بسبب تصفح مواقع التواصل يسرق منك مشروعًا كاملًا.
- سكر، قهوة، تسوق، محتوى سريع… كلها وجبات ممتعة للحظة، لكنها تستنزفك على المدى الطويل.
هذه ليست مجرد عادات سيئة.
إنها منظومة متكاملة صممت لتغذي دائرة إدمان دقيقة:
كل ضغطة = جرعة دوبامين صغيرة.
كل استجابة = ربط عصبي أعمق. وتعزيز للسلوك السلبي السابق
حتى تجد نفسك غارقًا في دوامة يصعب الخروج منها.
تحدثت تفصيلاً عن أشباه هؤلاء اللصوص في كتاب أوفلاين لمساعدتك على تحديد اللص الذي يستنزفك بدقة تحت عنوان خارطة المشتتات الرقمية
إذا ما العمل؟ كيف نكسر هذه الحلقة الإدمانية اللذيذة؟!
العقل طفل صغير … لكن يمكنك تدرّيبه
تخيّل عقلك كطفل يبكي ليحصل على قطعة حلوى.
إن استجبت لبكائه في كل مرة، سيتعلم أن البكاء سبيله الدائم للحصول على ما يريد
وإن تجاهلت الإلحاح قليلًا، وتركته يبكي سينتهي به الأمر لأن يصمت في النهاية وسيقبل ما تعطيه له من طعام صحي في أغلب الأوقات
العقل يعمل بطريقة شبيهة …
إن استجبت دومًا لمطالبه بالدوبامين السريع، فلن يعرف قيمة الجهد ولا طعم الإنجاز.
لكن إن درّبته على أن يتحمّل الملل، على أن يجلس قليلًا دون إشباع لحظي، فستمنحه الفرصة ليعيد التوازن ويذوق متعة الإنجاز الحقيقي

صيام الدوبامين… هدنة لتدريب عقلك
الفكرة ليست في أن تحرم نفسك من المتعة.
الفكرة أن تمنح عقلك هدنة:
يهدأ فيها الإلحاح.
تستعيد فيها السيطرة.
وتكتشف خلالها أن الملل ليس عدوًا، بل بابًا لإبداع جديد.
مثلما يحتاج الجسد إلى نظام صحي طويل المدى، يحتاج العقل إلى غذاء مختلف:
قراءة عميقة.
كتابة منتظمة.
مشي وتأمل بعيدًا عن الشاشة.
خطوات صغيرة نحو أهداف لها معنى.
هل تريد أن تعرف أكثر؟
ترقب كتابي الرقمي أوفلاين الذي سيصدر خلال أيام لتدرك كيف تتلاعب مواقع التواصل على هذه المشاعر
لسحبك نحو إدمان التصفح ..
الخلاصة
الطفل الذي يتعلم أن بكاءه لا يشتري له كل ما يريد… ينضج.
والعقل الذي يتدرّب على التوقف عن المطالبة المستمرة بالدوبامين السريع… يستعيد حريته.
لن يمنحك العالم هذه المساحة بسهولة، فالمشتتات من حولك صُممت لتسرق انتباهك.
لكن بإمكانك أن تبدأ من قرار بسيط: أن تعطي نفسك هدنة… ولو قصيرة.
سؤالي لك:
هل جربت أن تمنح عقلك يومًا واحدًا من “الصيام الرقمي”؟
ماذا اكتشفت عن نفسك في هذا اليوم؟





